ads
رئيس التحرير

قراءة نقدية في قصيدة الشاعرة سليمة ملّيزي ( اعتنفتكَ سِراً ) ( المهرة القادمة من قصص الانس والجن)

السبت 05-11-2022 22:02

بقلم الناقد والاديب الدكتور حمزة علاوي

مسربت – العراق

اعتنقتُــــــكَ سِـــــــــرًّا وكنتَ تهمسُ لي في الخفاء بأنَّنِي أنا لَكَ الدنيا والصفاء وأنَّني إذا غِبتُ عَنْكَ يسوَّدُ العُمْر وإنِّي مَنْ زرعتُ البذور فتفجَّرَتْ في مملكتِكَ الحقول ياقوتًا مثيرًا وزنابقَ وقرنفل وبأنِّي دُنياكَ وأشياؤكَ الصغيرة ولعبتُكَ المُفضَّلة

وإنِّي مَنْ حَبَّبْتُ لَكَ الخلجان اللازُورديَّة وعلَّمْتكُ العوم في البحور وتربَّعَ حُبُّكَ على مملكتي وفي مقاماتِ الشِّعر والذهول وفي قصص العشقِ البتُول وأنَّ أجمل اللحظات تلك التي تُرصِّعُ لنا الدروب في أوج الرعشات وجنون العشق

وبأنِّي لَكَ الوطنُ وملكوتُ الكون وسيمفونية الريح في أوج الشَّذَى وإنِّي أزكى العطور في لياليها الباريسية وإنِّي صهيلُ العُمْر الاَتي مِنْ قصص الجِنِ والإنْسِ وأنِّي العُشْبُ ،والزَّهْرُ، والنَّدى مع الفجر والعطش للحُبِّ يوم يظمأُ القلبُ وتفورُ النفوس للحُبِّ كالبركان وإنِّي.. وإنِّي .

. لَكَ يا حُبِّي صدرتُ المنتهى في النبل ورصَّعتُ لَكَ العُمْر بالشَّمْع، والصَّمْغ ،والصَّبْر وتوضَّأتُ بحرائقِ الحُبِّ وأعلنتُ مِنْ معبدي أن أعتنقَ حُبَّكَ في السِّرِ والجَهْرِ. ازدانت القصيدة بخطاب يحمل بين سطوره ما خفي وما ظهر ؛

اعتناق وهمس ، الصورة الحسية والصورة الذهنية . تستخدم الشاعرة النظير اللفظي -السر ، الخفاء – والذي يعبر عن دلالة التأكيد ، فضلا عن اثراء النص لغويا وجماليا ، ودوره في جذب المتلقي لقراءة النص ، والابتعاد عن الملل. تؤكد الشاعرة على ذاتها من خلال الضمير

،أنا، واغناء قرائتها بالتوازن اللفظي الذي يزيد عذوبة التعبير . تطرح الشاعرة مشاعرها وحواسها للآخر ، فما بين صفاء قلبها ، وسواد العمر بغيابه ، يولد التناقض بين الصفتين

، وما ينتج عنهما دلالة الحركة داخل النص ، علاوة على حركة الافعال بين ماض وحاضر . ترفد النص الشعري بتحولات مادية وزمانية مابين اللفظين المزدوجين ؛ البذور والحقول ،

وهذا ما يمنح النص دافعا عاطفيا يستجيب له المتلقي بالتفاعل الموضوعي للنص . تبدأ بمناداته وتكنيه برغيف الخبز ، وقوت الحب . تتخذ الشاعرة من الزنابق دلالة رمزية للاخلاص والنقاء ؛

ومن القرنفل دلالة الحب والتميز ، تغدق هذه الصورة التشبيهية النص بالقيم الجمالية واعطاء مساحة من النزهة الحسية للآخر .قامت بتحويل صورها البلاغية الى حديقة جميلة يمرح ويسرح بها العاشقان ؛ تزاوج الجمال الطبيعي والبديعي . تعاود وتكرر ‘اني دنياك ‘

كي تمنح النص ايقاعا موسيقا ، وتكسر التسلسل الصوري وتعلن ميلاد صورة جديدة ، فضلا عن مداعبة احاسيس المتلقي والتناغم مع النسق الشعري . يدعو تكرار الشاعرة لذاتها المخاطبة المتلقي الى التغلغل داخل النص ، والكشف عن نواياها المختبئه خلف الخطاب الشعري

. تصف لمحبوبها شعورها الوجداني ، فما حضر في خاطره يجده فيها من لهو واشياء احبها ؛ فهي من اخرجته من محدودية حياته الى فسحة الخلجان البحرية حيث الجنة وما فيها وما يحيطها ؛ انها عالم الاسترخاء وجنة الدنيا ، علمته العوم كي ينتقل الى عالم بعيدا عن الاوهام

، وتنتشي الروح من دغدغة الامواج . تعمل الشاعرة هذا الوصف الجنائني لتظهر للقارىء دوره في قراءة اللوحة الشعرية والتجوال بين انساقها الجمالية . تشتغل الشاعرة على تحويل الانطباعات الحسية الى صورة ذهنية يقرأ من خلالها المتلقي صورة العالم الطبيعي .تولى الحب زمام العاطفية وشغل الحيز في مملكتها الذهنية ، وايقاعاتها الشعرية، وفي صمتها وسكونها وغياب احساسها ؛

كل ذلك ناتج عن توازي قدراتها العاطفية مع استجاباتها الفكرية . اصبح العشق قارئها المضمر بين السطور وظلها حيثما ولت رؤيتها البصرية ، وهذا ما ينم عن الادراك الحسي لعالم العشق المحيط بها . منحت الشاعره المعشوق دور الوجود في الرواية التي بطلتها فتاة عذراء مكفنة بالعفة التامة

، والمقامات ذات الوقع الايقاعي الموسيقي ، وما يجمع بينهما من مقاربات في السرد الروائي . تعاود الشاعرة في ذكر الماضي وحضوره ؛ اي تعاطف الزمان والمكان

، ودورهما في اظهار اجمل رعشات الحب ، ومن هنا تتزاوج الاشارات البصرية والذهنية فتتولد عنهما نشوة الحب ، كل ذلك يمنح القصيدة استمرارية الايقاع الموسيقي القادم من الرعشات الجسدية ، فضلا عن استهواء المتلقي لقراءة النص. توظف التوافق اللفظي ما بين الدنيا ، الوطن ، والكون لتعزيز فكرة النص

– مشاعرها ووجدانها العاطفي ، ومحور حياته ، وزيادة البعد الايقاعي والخطابي. تصف الشاعرة ذاتها بسمفونية الريح ؛ وهذا ما يمنح النص حركات ايقاعية ، ولدت من رحم صوت الريح ، عندها تتكون صورة من الرقص الايقاعي المصحوب بنشوة العاشقين ؛ انها الايماءات الجسدية ، والمنصة التي يسرح فيها العاشق . تجسد الصورة الرومانسية والحسية-الباريسية- في رسم ذاتها التي تعرضها لعاشقها

. تشبه الشاعرة ذاتها بصوت المهرة القادمة من قصص الانس والجن ؛ انها القصص الرومانسية بين عالمين مختلفين ،ترتبط اواصر الحب بينهما بقوة عاطفية تتلبس بجسد لاتفارقة ابدا .

يجمع بين حبها الحقيقي والاسطوري البناء الرومانسي المثير ؛ هذا المد من السرد الاسطوري يكسر افق توقع القارىء ، وينبأ ببناء صورة شعرية جديدة . تكثر الشاعرة من الصور الاستعارية من الطبيعة ، وتجعل المتلقي يعيش وكأنه في نزهة طبيعية يشهق باحاسيسها الجميلة ؛ فمن العشب رمز الامل والحياة ، الزهر رمز الحب الصادق وعطر الاحساس ، والسرور ، ومن الندى انبعاث يوم جديد

؛ كل هذا يشير الى تحولات زمنية تمنح القصيدة ايقاعات هادئة ، وازدهار العاطفة والاحساس الآتي من عالم الظواهر

. تستخدم الشاعرة الطباق اللفظي ما بين العطش والظمأ ، الحب والقلب مركز المشاعر ، لكي تعزز المعنى البلاغي للنص الشعري . اتخذت من البركان تشبيها توافقيا مع فورة الاحساس الداخلي للنفس من اجل التركيز على القوة العاطفية اتجاه الآخر واستمالته لها .

تكرر الضمير المتكلم من اجل التوكيد على فكرة النص ‘حبها’ وهذا التوكيد اللفظي يعزز الايقاع الموسيقي للنص ودعوة للمتلقي لقراءة النص والتفاعل معه . تجمل قصيدتها بمسحة اخلاقية

، من اجل استمرار التنوع الصوري والابتعاد عن السياق الروتني . استطاعت الشاعرة ان تناغم ما بين الجمال الروحي والجمال الطبيعي ، وهذا ما يمنح القصيدة صورا جمالية

؛ حسية وروحية. زينت له العمر بالجمال والصبر على الانتظار ، هذا ما يعطي النص صور مادية جميلة تتوافق مع روحية العشق ؛ انبثقت هذه الصور من العمق البلاغي لحالة التصحيف والتوازن اللفظي الذي يعظم السلم الموسيقي للنص الشعري .اتخذت من محراب قلبها معبدا توضأت عنده بعذابات الحب ، وكبرت

، ورنمت ترنيمة الاعتناق لحبه في السر والجهر ؛ الظاهر والباطن ، ولذلك تمكنت ان تضفي صورة دينية تحمل بين ثناياه الايمان والاخلاص لحبها .

ارتمت كلماتها عند معبدها لاظهار ما كان مكنون بين طيات شغاف القلب من حب وحنين .

ads

التعليقات مغلقة.