الزواج المبكر: طفولة مسروقة ومستقبل مهدد
الأحد 26-10-2025 13:21
الزواج المبكر: طفولة مسروقة ومستقبل مهدد
كتب رجب حموده
يُعد الزواج المبكر، أو زواج الأطفال، عندما يتم إتمام الزواج لأحد الطرفين أو كليهما قبل الوصول إلى سن الرشد القانوني (غالباً 18 عاماً)، ظاهرة اجتماعية معقدة ومتعددة الأوجه، لا تزال تشكل تحدياً كبيراً في العديد من المجتمعات. وعلى الرغم من محاولات التبرير أحياناً بأسباب اجتماعية أو اقتصادية أو حتى ثقافية، إلا أن آثاره السلبية تظل وخيمة ومدمرة على صحة الفتيات، ومستقبلهن، وعلى استقرار الأسرة والمجتمع ككل.الآثار الصحية والجسدية المدمرةتتحمل الفتاة القاصر العبء الأكبر من المخاطر الصحية، حيث إن جسدها لم يكتمل نموه بعد ليتحمل متطلبات الحمل والولادة. وتشمل أبرز المخاطر الصحية:مضاعفات الحمل والولادة: الفتيات دون سن الثامنة عشرة أكثر عرضة للإصابة بمشاكل صحية خطيرة مثل تسمم الحمل، وفقر الدم الحاد، والولادة المبكرة أو المتعسرة بسبب ضيق الحوض وعدم اكتمال النمو الجسدي، مما يرفع من خطر الوفاة لدى الأم والطفل.تشوهات النمو الجسدي: الحمل المتكرر في سن مبكرة يعرقل النمو الطبيعي لعظام الطفلة، ويؤثر على قدرة الجسم على امتصاص الكالسيوم، ما قد يسبب ضعفاً في البنية الجسدية وهشاشة العظام لاحقاً.الإجهاد والأمراض: تتعرض الفتاة لإجهاد جسدي ونفسي شديد نتيجة الجمع بين مهام الزوجة والأم والطفلة، مما يؤدي إلى ضعف المناعة وزيادة القابلية للإصابة بالأمراض المزمنة.الآثار النفسية والاجتماعية والتعليميةالضرر النفسي والاجتماعي الناتج عن الزواج المبكر قد يكون أشد خطراً من الضرر الجسدي، حيث يمثل قتلاً للطفولة وتدميراً للمستقبل:الحرمان من التعليم: الزواج المبكر هو أحد أهم الأسباب لانقطاع الفتيات عن التعليم. هذا الحرمان يقلل من فرص الفتاة في الحصول على وظيفة، ويؤدي إلى تدني مستواها الثقافي والاجتماعي، مما يديم دورة الفقر داخل الأسرة.النضج النفسي المفقود: الفتاة القاصر لا تملك النضج العاطفي والمعرفي اللازم لتحمل مسؤوليات الزواج وتربية الأبناء وإدارة شؤون المنزل. هذا النقص يؤدي إلى:اضطرابات نفسية: الاكتئاب، القلق، الهستيريا، وعدم الاستقرار العاطفي نتيجة الانتقال المفاجئ والقسري من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المسؤولية.علاقات زوجية فاشلة: ارتفاع نسبة الخلافات والطلاق بسبب عدم إدراك الزوجين لطبيعة العلاقة وغياب الوعي الكافي بأسس بناء الأسرة السليمة.تأثير على الأبناء: الأبناء الذين يولدون لأمهات صغيرات في السن غالباً ما يواجهون مشاكل في التطور الروحي والحركي، ونقص الوزن عند الولادة، واضطرابات في النوم والسلوك، كما أنهم ينشؤون في بيئة أسرية غير مستقرة تعليمياً ونفسياً.فقدان الحقوق القانونية: في حالة الزواج غير الموثق أو ما يُعرف بـ “الزواج العرفي” قبل بلوغ السن القانونية، تفقد الفتاة حقوقها الأساسية كالميراث والنفقة في حال الطلاق أو الوفاة، كما يواجه الأطفال صعوبات في استخراج الأوراق الثبوتية وضمان حقوقهم في التعليم والتطعيمات.كيف نواجه الظاهرة؟تتطلب مواجهة الزواج المبكر تضافر جهود جميع مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، من خلال:التشريعات القانونية: تفعيل وتطبيق القوانين التي تمنع زواج القاصرات وتجرمه، وتحديد عقوبات رادعة لمن يشارك في إتمامه.التوعية الشاملة: عمل برامج توعية دينية واجتماعية وصحية في المدارس والمساجد والكنائس والمناطق الريفية، لتسليط الضوء على مخاطر الزواج المبكر وحقوق الفتاة.دعم تعليم الفتيات: توفير الحوافز والدعم لضمان استمرار الفتيات في تعليمهن، لأنه خط الدفاع الأول ضد الزواج المبكر.التمكين الاقتصادي: توفير فرص عمل للشباب لتقليل الضغط الاجتماعي والاقتصادي الذي يدفع الأسر لتزويج بناتهن في سن مبكرة.في الختام، إن الزواج المبكر هو اعتداء على حق الطفلة في الحياة الآمنة والتعليم والنضج الطبيعي. إن حماية الفتيات من هذا الخطر هو استثمار في مستقبل أسر مستقرة ومجتمعات مزدهرة وقادرة على التنمية.



