الرشوة: مرض يهدد كيان المجتمع

رئيس التحرير

الرشوة: مرض يهدد كيان المجتمع

الأحد 26-10-2025 09:53

الرشوة: مرض يهدد كيان المجتمع

كتب رجب حموده

الرشوة آفةً خطيرة وشكلًا من أشكال الفساد التي تنخر في جسد المجتمعات، وتُهدد استقرارها وتُعيق مسيرتها نحو التنمية والعدالة. إنها تبادلٌ غير مشروع للمصالح، حيث يُقدم المال أو المنفعة مقابل الحصول على خدمة أو حق ليس من حق الدافع، أو التغاضي عن واجب. لا يقتصر تأثير الرشوة على الأفراد المرتشين أو الراشين فحسب، بل يمتد ليشمل كافة جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مُخلفًا أضرارًا جسيمة تُضعف أركان الدولة وتُفقد الثقة

بمؤسساتها.الآثار السلبية للرشوة على المجتمعتتجسد خطورة الرشوة في تداعياتها السلبية المتعددة التي تُفسد النسيج الاجتماعي وتُقوِّض المبادئ الأخلاقية:1. انهيار العدالة وضياع الحقوقتُعتبر الرشوة عدو النزاهة والعدالة؛ فعندما ينتشر هذا الوباء، تُصبح الحقوق تُشترى وتُباع، ويُصبح تحصيل الحق مرهونًا بدفع المال لا بالاستحقاق القانوني أو الأخلاقي.

هذا يؤدي إلى:تضييع حقوق العباد: حصول غير المستحقين على المزايا، وحرمان أصحاب الحقوق الفعلية منها.انتشار الظلم: خلق طبقة تستطيع شراء القرارات والخدمات، وطبقة محرومة تعاني من الإجراءات المعقدة أو التجاهل.2. تدهور الأداء الحكومي وفقدان الثقةتؤثر الرشوة بشكل مباشر على كفاءة المؤسسات العامة والخاصة:ضعف الكفاءة الإدارية: يتم توسيد الأمر لغير أهله؛ إذ يتم تعيين وترقية أشخاص غير مؤهلين بناءً على الرشاوى والمحسوبية بدلاً من الجدارة والاستحقاق، مما يُؤدي إلى تدني جودة الخدمات وإهدار الموارد.فقدان ثقة المواطنين: عندما يشعر المواطن بأن التعامل داخل مؤسسات الدولة يعتمد على “كم يدفع” وليس “ماذا يستحق”، تتآكل ثقته في نزاهة هذه المؤسسات وشرعية النظام، وينتشر الشعور بالإحباط واليأس.3. الآثار الاقتصادية المدمرةتُعيق الرشوة النمو الاقتصادي وتُشوه المناخ الاستثماري:تنفير الاستثمار: يتردد المستثمرون الأجانب والمحليون في العمل في بيئة تنتشر فيها الرشوة، خوفًا من دفع تكاليف إضافية غير مبررة أو التعرض للابتزاز.ارتفاع تكلفة الأعمال: تُضيف الرشاوى تكاليف غير رسمية على المنتجات والخدمات، مما يرفع الأسعار على المستهلك النهائي ويؤدي إلى تشويه المنافسة وزيادة الفقر.ضياع أموال الدولة: تؤدي إلى التهرب الضريبي والجمركي وفقدان أموال الخزينة العامة، مما يقلل من قدرة الدولة على تمويل الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم.4. الانحلال الأخلاقي والاجتماعيالرشوة هي في جوهرها تدهور أخلاقي، فهي تُكرّس مبدأ المنفعة الشخصية على حساب المصلحة العامة:شيوع الأنانية: ينتشر مبدأ “الاتكالية” و”المنفعة المادية” ليحل محل روح الواجب والعمل المشترك.تدمير القيم: تُصبح الرشوة، مع انتشارها، سلوكًا مقبولًا أو ضرورة لا مفر منها، مما يُدمر منظومة القيم والأخلاق التي يقوم عليها المجتمع.توليد الحقد والكراهية:

يشعر الأفراد الذين تُضيع حقوقهم بالظلم والحقد تجاه المرتشين ومَن استفادوا من الرشوة، مما يُولد صراعات اجتماعية ويُهدد الأمن والاستقرار المجتمعي.السبيل لمكافحة الرشوةتتطلب مكافحة الرشوة جهدًا مشتركًا ومُتعدد الأوجه يشمل:تعزيز الوازع الديني والأخلاقي: التوعية بخطورة الرشوة وحرمتها، واعتبارها خيانة للأمانة والمجتمع.تفعيل الرقابة والمحاسبة:

تشديد الرقابة على الموظفين، وتطبيق عقوبات صارمة ورادعة بحق الراشي والمرتشي.تحسين الأوضاع الاقتصادية: توفير مستويات معيشية كريمة للموظفين للحد من دوافع قبول الرشوة.الشفافية والتحول الرقمي: تقليل الاحتكاك المباشر بين الموظف والمواطن من خلال أتمتة الإجراءات الحكومية، مما يقلل من فرص الابتزاز والرشوة.الإبلاغ عن الفساد: حماية المُبلغين عن قضايا الفساد والرشوة وتسهيل عملية الإبلاغ كسبيل للقضاء عليها.في الختام، إن مكافحة الرشوة ليست مجرد واجب قانوني، بل هي ضرورة وجودية للحفاظ على كيان المجتمع وضمان مستقبله. إن المجتمع الذي يُحارب الرشوة هو مجتمع واثق ومُزدهر، ينال فيه كل ذي حق حقه.

ads

التعليقات مغلقة.

أخر الاخبار