بقلم / د. " />

رئيس التحرير

الكمالية وجوه كثيرة

الأحد 26-10-2025 13:53

الكمالية وجوه كثيرة

بقلم / د. حنان حسن مصطفي

هل الكمالية فقط فى عدم تقبل الضعف؟ الكمالية لها العديد من الوجوه فقد تظهر فى أشكال مختلفة مثل: ١- كمالية الآخرين: – لابد لمن احبهم أن ينجحوا وبجتهدوا فى عملهم. – لابد لمن حولى الا يتركونى أشعر بالوحدة ابدا. مثل هذه العبارات والكثير غيرها، تظهر حرص الفرد على أن يكون كل ما حوله مثاليا ، يتحقق بالطريقة التى خطط لها ودون اى هفوات أو استثناءات، فهو يريد لبعض من حوله أن يصلوا إلى النجاح فى صورته المثالية الكاملة ، وهى قطعا رغبة حسنة النية، لكن المشكلة أن هذا النوع من الأشخاص الذى يتطلب كمال من حوله، لا يشعر بالرضى عما يفعلونه مهما اجتهدوا، ودوما يضعهم تحت ضغط نفسي ويشعرهم أنهم لم يقوموا بما يتوجب عليهم القيام به على الوجه الأكمل، فيشعرهم بالاحباط من ناحية، وتضعف علاقته بهم من ناحية أخرى . اذكر أحد الذين قابلتهم، ومان شديد الكمالية،كان بقول لى: ” أن عينى ترى الأشياء على غير ما يراها من حولى” وكان ذلك يسبب لهم الكثير من الضغط، حتى أنه في مرة من المرات حدثت مشكلة كبيرة فقط لأن ملابسه لم يتم كيها بالشكل الذى يراه مناسبا. فهكذا الكمالية تخلق توقعات لا يمكن تحقيقها، وتجعله يغضب من اقل الاشياء من الآخرين. ٢- الكمالية لإرضاء الآخرين: – كلما زاد نحاحى زادت توقعات الآخرين منى. – من الصعب أن أحقق توقعات الآخرين وارضيهم. – الآخرون يصبهم الإحباط بسبب أخطائى. ارضاء الاخرين من أهم دوافع الكمالية، تستشعر أن كل نظرة من الآخرين وكل كلمة تعنى الكثير، فتلزم نفسك لإرضاء كل من حولك ولو على حساب نفسك؛ وهذا لأننا تربينا وتعلمنا تعظيم الآخرين، تعلمنا تقديم آرائهم على ما نعتقده نحن، حتى تعلمنا الا نعطى أنفسنا حقها من أجل الآخرين، وان نفعل ما يحبونه هم ويرضون عنه، لا ما نحبه نحن. ولهذا فمهمتك يا صديقى أن تنتبه لنفسك قليلا، أن تكف عن سؤال ماذا يريد الناس، وتسأل ماذا تريد انا! هل ذاتى هذه حقيقية أم ذات تشكلت بآراء الاخرين؟ فإذا أزلت هذا الحجب، وتبصرت بنفسك لوجدت أن هناك شخصا آخر غير الذى يبدو للناس، شخصا آخر غريبا يخاف أن يظهر على حقيقته ؛ حتى لا يراه الناس بصورة غير التى يريدونها. ولكن الشحاعة يا صديقى أن تخيا كما انت بكامل قلبك تواجه الآخرين بنفسك الحقيقية، لا تخشى من أحكامهم، ولا تبدل نفسك من أجلهم. وفى هذا تقول ” برانيه براون” فى كتابها نعمة عدم الكمال: ” أن امتلاك زمام قصتنا- تعنى العيش كما انت والظهور بنفسك الحقيقية – يمكن أن يكون صعبا لكنه لا يماثل قضاء حياتنا هاربين منه. تقبل نقاط ضعفنا مخاطرة، لكنه لا يقارب خطر اليأس من الحب والانتماء والمتعة وتلك التجارب التى تجعلنا باكثر أحوالنا ضعفا، فلن نكتشف القوة الحقيقة للنور إلا عندما نتخلى بالشجاعة الكافية لاستكشاف الظلمات. ٣- الكمالية المرتبطة بالنفس: كما قلنا من قبل، السعى للكمالية له وجوه كثيرة، ومن أكثرها وجودا الكمالية المرتبطة بالنفس، أن تفرض على نفسك أحكاما صارمة، أن تحاسب نفسك حسابا شديدا على كل خطأ وكل تقصير، الا ترضى عن نفسك حتى تكبر فى الهواء أو تمشي فى الماء، حينها فقط ربما ترضى عنها قليلا…فقط لبعض الوقت! كانت تستشيرنى إحدى الفتيات فى الجلسات النفسية، وهى فتاة فى غاية الاجتهاد، وصلت فى سن صغيرة إلى مالا يصل إليه غيرها فى كثير من السنين، لكن بالرغم من ذلك لم ترضى ابدا عن نفسها، كانت تعتقد أن كل هذا عادى وطبيعى، وأنها لم تفعل شيئا يذكر، وكانت تظن أن هذا يعطيها حافزا كى تستمر، وتظن انها كلما رفعت المعايير المطلوبة منها، حققت نجاحا اكبر، حتى إصابتها فترة من الضغط النفسي الشديد، ولم تعد تستطيع أن تفعل كل ما كانت تفعله بسهولة من قبل، ولجان إلى المساعدة. سالتها ” ماذا تعنى هذه الفترة لك”. وانا اقصد بذلك هذه الفترة من قلة الانجاز والضغط والضيق؟ فقالت: ” تعنى أننى بالطبع ضعيفة، ولم يكن من المفترض أن أصل إلى هذه الحال”. فسألتها: ” ثم ماذا؟”. فقالت : “ماذا تعنى؟ “. فقالت لها ” انك تتعاملين مع نفسك بهذه الطريقة لأربعة أشهر، وكل ما حدث أن نفسك تزداد ضعفا، ولا تستطيع الخروج من هذه الحال. نحن نظن احيانا أو القسوة هى الحل، لابد أن اعاقب نفسي الضعيفة السيئة أنها ضعفت ووصلت إلى هذه الحال، بل لا ينبغى لها أن تضعف اصلا، لابد أن ابقى قويا طوال الوقت، ظنا منها أننا هكذا نصلحها، أننا حين نفسو عليها تمنعها من المزيد من الأخطاء، لكن هذا لا يحدث، فأنت حين تفعلين ذلك فأنت تخسرين نفسك، تخيلى معى أن هناك أحد يعيش معك فى نفس المنزل، كلما رأيته أخبرته أنها ضعيف وأنه لابد أن يكون أكثر قوة، وحكمت علبه وشددت فى كلامك، هل ترين أنه سيعيش بسلام معك؟!هذا ما يحدث مع أنفسنا حين نعنفها على الدوام، ونضعها تحت الضغط، ونطلب منها أن تصمد طيلة الوقت، والا تضعف ولو لمرة، وألا تشكو، والا تقول هذا يكفى فقد تعبت! يصبح الإنسان بذلك عدو لنفسه، بل واكبر خطر عليها، أنه يضعها فى الزاوية طيلة الوقت وبخضعها لاشد المحاكمات قسوة. والنتيجة أن النفس تسقط ضحية الضغط عليها، وتجتاحها كل المشاعر السلبية دون أن يدرك صاحبها أنه هو سبب كل ما تعانيه نفسه. المثير من الأبحاث الان فى علم النفس تتحدث عن التعاطف مع الذات (self- compassion). نعم إن تتعاطف مع نفسك أن تعءرها أن تقبل ضعفها الا تقسو عليها طيلة الوقت، ولا تداولها فى كل حين، كالطفل يفسده العنف، فأنت أيضا تحتاج إلى هذا. نعود إلى صديقتنا التى لم ترضى عن نفسها وتتقبل ضعفها فى هذه الفترة فقلت لها: ” الا يعنى ضعفك هذه الفترة انك انسان، فقط انسان،انا لست ضعيفا أو سيئا ما دمت احاول واسعى، وما دمت لم أقرر الاستسلام ولم اترك لنفسي العنان تفعل ما تشاء من الأخطاء، وما دمت أسعى بكل السبل لأكون افضل، بالفعل ما يرضى الله، وما يمليه ضميرى، وما انا مكلف به من العمل، فلست ضعيفا حتى لو اصابنى الضعف لفترة، فهذه سنة الحياة، ما من إنسان يبقى قويا طوال الوقت ، وكما قال النبي ( صلى الله عليه وسلم) ” أن لكل عمل من الأعمال شره، ولكن شره فترة……”يخبرنا النبى أن هذه سنة الحياة، فمهما كانت قوتك ومهما بلغت من العزم، فسياتى عليك وقت من الفتوى والضعف، لم يقل أن هذا يعنى انك سيىء أو انك ضعيف ، بل يعنى فقط بشىريتك، يعنى أن هذا الضعف طبيعى فلابد أن تقبله وترفق بنفسك حتى تستطيع أن تعيدها إلى القوة

ads

التعليقات مغلقة.

أخر الاخبار